فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (75):

{قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)}
{قَالُواْ جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه، هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام. وقوله: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} تقرير للحكم وإلزام له، أو خبر {مِنْ} والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها على أنها شرطية. والجملة كما هي خبر {جَزَاؤُهُ} على إقامة الظاهر فيها مقام الضمير كأنه قيل: جزاؤه من وجد في رحله فهو هو. {كذلك نَجْزِى الظالمين} بالسرقة.

.تفسير الآية رقم (76):

{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}
{فبدأ بأوعيتهم} فبدأ المؤذن وقيل يوسف لأنهم ردوا إلى مصر {قبل وعاء أخيه} بنيامين نفيا للتهمة {ثم استخرجها} أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث {من وعاء أخيه} وقرئ بضم الواو وبقلبها همزة {كذلك} مثل ذلك الكيد {كدنا ليوسف} بأن علمناه إياه وأوحينا به إليه {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} ملك مصر لأن دينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد {إلا أن يشاء الله} أن جعل ذلك الحكم حكم الملك فالاستثناء من أعم الأحوال ويجوز أن يكون منقطعا أي لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه {نرفع درجات من نشاء} بالعلم كما رفعنا درجته {وفوق كل ذي علم عليم} أرفع درجة منه واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته إذ لو كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه والجواب أن المراد كل ذي علم من الخلق لأن الكلام فيهم ولأن العليم هو الله سبحانه وتعالى ومعناه الذي له العلم البالغ لغة ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص.

.تفسير الآية رقم (77):

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)}
{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ} بنيامين. {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} يعنون يوسف. قيل ورثت عمته من أبيها منطقة إبراهيم عليه السلام وكانت تحضن يوسف وتحبه، فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها فشدت المنطقة على وسطه، ثم أظهرت ضياعها فتفحصُ عنها فوجدت محزومة عليه فصارت أحق به في حكمهم. وقيل كان لأبي أمه صنم فسرقه وكسره وألقاه في الجيف. وقيل كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل. وقيل دخل كنيسة وأخذ تمثالاً صغيراً من الذهب. {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ في نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} أكنها ولم يظهرها لهم، والضمير للإجابة أو المقالة أو نسبة السرقة إليه وقيل إنها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله: {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} فإنه بدل من أسرها. والمعنى قال في نفسه أنتم شر مكاناً أي منزلة في السرقة لسرقتكم أخاكم، أو في سوء الصنيع مما كنتم عليه، وتأنيثها باعتبار الكلمة أو الجملة، وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن. {والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون.

.تفسير الآية رقم (78):

{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}
{قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} أي في السن أو القدر، ذكروا له حاله استعطافاً له عليه. {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} بدله فإن أباه ثكلان على أخيه الهالك مستأنس به. {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتمم إحسانك، أو من المتعودين بالإِحسان فلا تغير عاداتك.

.تفسير الآية رقم (79):

{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)}
{قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} فإن أخذ غيره ظلم على فتواكم فلو أخذنا أحدكم مكانه. {إِنَّا إِذًا لظالمون} في مذهبكم هذا، وإن مراده إن الله أذن في أخذ من وجدنا الصاع في رحله لمصلحته ورضاه عليه فلو أخذت غيره كنت ظالماً.

.تفسير الآية رقم (80):

{فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
{فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} يئسوا من يوسف وإجابته إياهم، وزيادة السين والتاء للمبالغة. {خَلَصُواْ} انفردوا واعتزلوا. {نَجِيّاً} متناجين، وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هو صديق، وجمعه أنجيه كندي وأندية. {قَالَ كَبِيرُهُمْ} في السن وهو روبيل، أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا. {أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مّنَ الله} عهداً وثيقاً، وأنما جعل حلفهم بالله موثقاً منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته. {وَمِن قَبْلُ} ومن قبل هذا. {مَا فَرَّطتُمْ في يُوسُفَ} قصرتم في شأنه، و{مَا} مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا، ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف، أو على اسم {أن} وخبره في {يُوسُفَ} أو {مِن قَبْلُ} أو الرفع بالابتداء والخبر {مِن قَبْلُ} وفيه نظر، لأن {قَبْلُ} إذا كان خبراً أو صلة لا يقطع عن الإِضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي: ما فرطتموه بمعنى ما قدمتوه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم. {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} فلن أفارق أرض مصر. {حتى يَأْذَنَ لِى أَبِى} في الرجوع. {أَوْ يَحْكُمَ الله لِى} أو يقضي لي بالخروج منها، أو بخلاص أخي منهم أو بالمقاتلة معهم لتخليصه. روي: أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل: أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل، ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليه السلام لابنه: قم إلى جنبه فمسه، وكان بنو يعقوب عليه السلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه. فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزراً من بزر يعقوب. {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} لأن حكمه لا يكون إلا بالحق.

.تفسير الآية رقم (81):

{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
{ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابنك سَرَقَ} على ما شاهدناه من ظاهر الأمر. وقرئ: {سَرَقَ} أي نسب إلى السرقة. {وَمَا شَهِدْنَا} عليه. {إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} بأن رأينا أن الصواع استخرج من وعائه. {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ} لباطن الحال. {حافظين} فلا ندري أنه سرق أو سرق الصواع في رحله، أو وما كنا للعواقب عالمين فلم ندر حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق، أو أنك تصاب به كما أصبت بيوسف.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
{واسئل القرية التي كُنَّا فِيهَا} يعنون مصر أو قرية بقربها لحقهم المنادي فيها، والمعنى أرسل إلى أهلها واسألهم عن القصة. {والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا} وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم. {وِإِنَّا لصادقون} تأكيد في محل القسم.

.تفسير الآية رقم (83):

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال: {بَلْ سَوَّلَتْ} أي سولت وسهلت. {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} أردتموه فقدرتموه، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته. {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أجمل. {عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا} بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر. {إِنَّهُ هُوَ العليم} بحالي وحالهم. {الحكيم} في تدبيرهما.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}
{وتولى عَنْهُمْ} وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم. {وَقَالَ يا أَسَفاً على يُوسُفَ} أي يا أسفاً تعالي فهذا أوانك، والأسف أشد الحزن والحسرة، والألف بدل من ياء المتكلم، وإنما تأسف على يوسف دون أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غضاً آخذاً بمجامع قلبه، ولأنه كان واثقاً بحياتهما دون حياته، وفي الحديث: «لم تعط أمة من الأمم» {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون} «عند المصيبة إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم» ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال: {يَا أَسَفاً}. {وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن} لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما. وقيل ضعف بصره. وقيل عمي، وقرئ: {مِنَ الحزن} وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع، ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال: «القلب يجزع والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون» {فَهُوَ كَظِيمٌ} مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره، فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى: {وَهُوَ مَكْظُومٌ} من كظم السقاء إذا شده على ملئه، أو بمعنى فاعل كقوله: {والكاظمين الغيظ} من كظم الغيظ إذا اجترعه، وأصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه.

.تفسير الآية رقم (85):

{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)}
{قَالُواْ تالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي لا تفتأ ولا تزال تذكره تفجعاً عليه، فحذف لا كما في قوله:
فَقُلْتُ يَمينَ اللّه أَبْرَح قَاعِداً

لأنه لا يلتبس بالإثبات، فإن القسم إذا لم يكن معه علامات الإثبات كان على النفي. {حتى تَكُونَ حَرَضاً} مريضاً مشفياً على الهلاك. وقيل الحرض الذي أذابه هم أو مرض، وهو في الأصل مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع والنعت بالكسر كدنف ودنف. وقد قرئ به وبضمتين كجنب. {أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} من الميتين.

.تفسير الآية رقم (86):

{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى} همي الذي لا أقدر الصبر عليه من البث بمعنى النشر. {إِلَى الله} لا إلى أحد منكم ومن غيركم، فخلوني وشكايتي. {وَأَعْلَمُ مِنَ الله} من صنعه ورحمته فإنه لا يخيب داعيه ولا يدع الملتجئ إليه، أو من الله بنوع من الإِلهام. {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من حياة يوسف. قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي. وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجداً.

.تفسير الآية رقم (87):

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}
{يا بَنِىَّ اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس. {وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه. وقرئ: {مِن رَّوْحِ الله} أي من رحمته التي يحيا بها العباد. {إِنَّهُ لاَ يَيْأََسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} بالله وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال.

.تفسير الآية رقم (88):

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)}
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا العزيز} بعدما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية. {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} شدة الجوع. {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} رديئة أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها، من أزجيته إذا دفعته ومنه تزجية الزمان. قيل كانت دراهم زيوفاً وقيل صوفاً وسمناً. وقيل الصنوبر والحبة الخضراء. وقيل الأقط وسويق المقل. {فَأَوْفِ لَنَا الكيل} فأتمم لنا الكيل. {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} برد أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة، أو بالزيادة على ما يساويها. واختلف في أن حرمة الصدقة تعم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو تختص بنبينا صلى الله عليه وسلم. {إِنَّ الله يَجْزِى المتصدقين} أحسن الجزاء والتصدق التفضل مطلقاً، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في القصر: «هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» لكنه اختص عرفاً بما يبتغي به ثواب من الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (89):

{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}
{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة. {إِذْ أَنتُمْ جاهلون} قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته، وإنما قال ذلك تنصيحاً لهم وتحريضاً على التوبة، وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريباً. وقيل أعطوه كتاب يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو فيه من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك، وإنما جهلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال، أو لأنهم كانوا حينئذ صبياناً شياطين.